فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
لقائل أن يقول: قوله: {كُنَّ} إن كان خطابًا مع المعدوم فهو محال، وإن كان خطابًا مع الموجود كان هذا أمرًا بتحصيل الحاصل وهو محال.
والجواب: أن هذا تمثيل لنفي الكلام والمعاياة وخطاب مع الخلق بما يعقلون، وليس خطابًا للمعدوم، لأن ما أراده الله تعالى فهو كائن على كل حال وعلى ما أراده من الإسراع، ولو أراد خلق الدنيا والآخرة بما فيهما من السموات والأرض في قدر لمح البصر لقدر على ذلك، ولكن العباد خوطبوا بذلك على قدر عقولهم.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {قَوْلُنَا} مبتدأ و{أَن نَّقُولَ} خبره و{كُنْ فَيَكُونُ} من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا حدوث شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فيحدث عقيب ذلك من غير توقف.
المسألة الثالثة:
قرأ ابن عامر والكسائي: {فَيَكُونُ} بنصب النون، والباقون بالرفع قال الفراء: القراءة بالرفع وجهها أن يجعل قوله: {أَن نَّقُولَ لَهُ} كلامًا تامًا ثم يخبر عنه بأنه سيكون كما يقال: إن زيدًا يكفيه إن أمر فيفعل فترفع قولك فيفعل على أن تجعله كلامًا مبتدأ، وأما القراءة بالنصب فوجهه أن تجعله عطفًا على أن نقول، والمعنى: أن نقول كن فيكون هذا قول جميع النحويين، قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصبًا على جواب {كُنَّ} قال أبو علي لفظة {كن} وإن كانت على لفظة الأمر فليس القصد بها هاهنا الأمر إنما هو والله أعلم الإخبار عن كون الشيء وحدوثه، وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ يبطل قوله إنه نصب على جواب {كُنْ}، والله أعلم.
المسألة الرابعة:
احتج بعض أصحابنا بهذه الآية على قدم القرآن فقالوا قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} يدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له كن فيكون، فلو كان قوله: {كُنْ} حادثًا لافتقر إحداثه إلى أن يقول له كن وذلك يوجب التسلسل، وهو محال فثبت أن كلام الله قديم.
واعلم أن هذا الدليل عندي ليس في غاية القوة، وبيانه من وجوه:
الوجه الأول: أن كلمة {إِذَا} لا تفيد التكرار، والدليل عليه أن الرجل إذا قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار مرة طلقت طلقة واحدة فلو دخلت ثانيًا لم تطلق طلقة ثانية فعلمنا أن كلمة إذا لا تفيد التكرار، وإذا كان كذلك ثبت أنه لا يلزم في كل ما يحدثه الله تعالى أن يقول له كن فلم يلزم التسلسل.
والوجه الثاني: أن هذا الدليل إن صح لزم القول بقدم لفظه {كن} وهذا معلوم البطلان بالضرورة، لأن لفظة: كن، مركبة من الكاف والنون، وعند حضور الكاف لم تكن النون حاضرة وعند مجيء النون تتولى الكاف، وذلك يدل على أن كلمة كن يمتنع كونها قديمة، وإنما الذي يدعي أصحابنا كونه قديمًا صفة مغايرة للفظة كن، فالذي تدل عليه الآية لا يقول به أصحابنا، والذي يقولون به لا تدل عليه الآية فسقط التمسك به.
والوجه الثالث: أن الرجل إذا قال إن فلانًا لا يقدم على قول، ولا على فعل إلا ويستعين فيه بالله تعالى فإن عاقلًا لا يقول: إن استعانته بالله فعل من أفعاله فيلزم أن يكون كل استعانة مسبوقة باستعانة أخرى إلى غير النهاية لأن هذا الكلام بحسب العرف باطل فكذلك ما قالوه.
والوجه الرابع: أن هذه الآية مشعرة بحدوث الكلام من وجوه:
الوجه الأول: أن قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ} يقتضي كون القول واقعًا بالإرادة، وما كان كذلك فهو محدث.
والوجه الثاني: أنه علق القول بكلمة إذا، ولا شك أن لفظة {إذا} تدخل للاستقبال.
والوجه الثالث: أن قوله: {أَن نَّقُولَ لَهُ} لا خلاف أن ذلك ينبىء عن الاستقبال.
والوجه الرابع: أن قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} يدل على أن حدوث الكون حاصل عقيب قوله: {كُنْ} فتكون كلمة {كُنْ} متقدمة على حدوث الكون بزمان واحد، والمتقدم على المحدث بزمان واحد يجب أن يكون محدثًا.
والوجه الخامس: أنه معارض بقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا} [النساء: 47]، {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا} [الأحزاب: 38].
{الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23].
{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} [الطور: 34]، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إمامًا وَرَحْمَةً} [الأحقاف: 12].
فإن قيل: فهب أن هذه الآية لا تدل على قدم الكلام، ولكنكم ذكرتم أنها تدل على حدوث الكلام فما الجواب عنه؟.
قلنا: نصرف هذه الدلائل إلى الكلام المسموع الذي هو مركب من الحروف والأصوات، ونحن نقول بكونه محدثًا مخلوقًا.
والله أعلم.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة دل ذلك على أنهم تمادوا في الغي، والجهل، والضلال، وفي مثل هذه الحالة لا يبعد إقدامهم على إيذاء المسلمين وضرهم، وإنزال العقوبات بهم، وحينئذ يلزم على المؤمنين أن يهاجروا عن تلك الديار والمساكن، فذكر تعالى في هذه الآية حكم تلك الهجرة وبين ما لهؤلاء المهاجرين من الحسنات في الدنيا، والأجر في الآخرة من حيث هاجروا وصبروا وتوكلوا على الله، وذلك ترغيب لغيرهم في طاعة الله تعالى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في ستة من الصحابة صهيب وبلال وعمار وخباب وعابس وجبير موليين لقريش فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام، أما صهيب فقال لهم: أنا رجل كبير إن كنت لكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله فلما رآه أبو بكر قال: ربح البيع يا صهيب، وقال عمر: نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، وهو ثناء عظيم يريد لو لم يخلق الله النار لأطاعه فكيف ظنك به وقد خلقها؟ وأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة من كلمة الكفر والرجوع عن الإسلام فتركوا عذابهم، ثم هاجروا فنزلت هذه الآية، وبين الله تعالى بهذه الآية عظم محل الهجرة، ومحل المهاجرين فالوجه فيه ظاهر، لأن بسبب هجرتهم ظهرت قوة الإسلام، كما أن بنصرة الأنصار قويت شوكتهم، ودل تعالى بقوله: {والذين هاجروا في الله} أن الهجرة إذا لم تكن لله لم يكن لها موقع، وكانت بمنزلة الانتقال من بلد إلى بلد، وقوله: {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} معناه أنهم كانوا مظلومين في أيدي الكفار، لأنهم كانوا يعذبونهم.
ثم قال: {لَنُبَوّئَنَّهُمْ في الدنيا حَسَنَة} وفيه وجوه: الأول: أن قوله: {حَسَنَةٌ} صفة للمصدر من قوله: {لَنُبَوّئَنَّهُمْ في الدنيا} والتقدير: لنبوئنهم تبوئة حسنة، وفي قراءة علي عليه السلام: {لنبوئنهم إبواءة حسنة}.
الثاني: لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم، وعلى العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب، وعن عمر أنه كان إذا أعطى رجلًا من المهاجرين عطاء قال: خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ذخر لك في الآخرة أكبر.
والقول الثالث: لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم، وهذا قول الحسن والشعبي وقتادة، والتقدير: لنبوئنهم في الدنيا دارًا حسنة أو بلدة حسنة يعني المدينة.
ثم قال تعالى: {وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ} وأعظم وأشرف؛ {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} والضمير إلى من يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى الكفار، أي لو علموا أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم.
والثاني: أنه راجع إلى المهاجرين، أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم.
ثم قال: {الذين صَبَرُواْ وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وفي محل: {الذين} وجوه: الأول: أنه بدل من قوله: {والذين هاجروا} والثاني: أن يكون التقدير: هم الذين صبروا.
والثالث: أن يكون التقدير: أعني الذين صبروا وكلا الوجهين مدح، والمعنى: أنهم صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن الذي هو حرم الله، وعلى المجاهدة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله، وبالجملة فقد ذكر فيه الصبر والتوكل.
أما الصبر فللسعي في قهر النفس، وأما التوكل فللانقطاع بالكلية من الخلق والتوجه بالكلية إلى الحق، فالأول: هو مبدأ السلوك إلى الله تعالى.
والثاني: آخر هذا الطريق ونهايته، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {والذين هاجروا في الله من بَعْدِ ما ظُلِموا} يعني من بعد ما ظلمهم أهل مكة حين أخرجوهم إلى الحبشة بعد العذاب والإبعاد.
{لنبوئنهم في الدنيا حسنة} فيه أربعة أقاويل: أحدها: نزول المدينة، قاله ابن عباس والشعبي وقتادة.
الثاني: الرزق الحسن، قاله مجاهد.
الثالث: أنه النصر على عدوهم، قاله الضحاك.
الرابع: أنه لسان صدق، حكاه ابن جرير، ويحتمل قولًا خامسًا: أنه ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات.
ويحتمل قولًا سادسًا: أنه ما بقي لهم في الدنيا من الثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف.
وقال داود بن إبراهيم: نزلت هذه الآية في أبي جندل بن سهل، وقال الكلبي: نزلت في بلال وعمار وصهيب وخباب بن الأرتّ عذبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا في الدنيا، فلما خلوهم هاجروا إلى المدينة.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دفع إلى المهاجرين العطاء قال: هذا ما وعدكم الله في الدنيا، وما خولكم في الآخرة أكثر، ثم تلا عليهم هذه الآية. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {إنما قولنا} الآية، {إنما} في كلام العرب هي للمبالغة وتحقيق تخصيص المذكور، فقد تكون مع هذا حاصرة إذا دل على ذلك المعنى، كقوله تعالى: {إنما الله إله واحد} [النساء: 171]، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الربا في النسيئة» وقول العرب: إنما الشجاع عنترة، فبقي فيها معنى المبالغة فقط، و{إنما} في هذه الآية هي للحصر، وقاعدة القول في هذه الآية أن تقول، إن الإرادة والأمر اللذين هما صفتان من صفات الله تعالى القديمة، هما قديمان أزليان، وإن ما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد، لا إلى الإرادة، وذلك أن الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال لا في إرادة ذلك ولا في الأمر به، لأن ذينك قديمان، فمن أجل المراد عبر ب {إذا} وب {نقول}، ويرجع الآن على هذه الألفاظ فتوضح الوجه فيها واحدة واحدة، أما قوله: {لشيء} فيحتمل وجهين: أحدهما أن الأشياء التي هي مرادة وقيل لها {كن}، معلوم أن للوجود يأتي على جميعها بطول الزمن وتقدير الله تعالى، فلما كان وجودها حتمًا جاز أن تسمى أشياء وهي في حالة عدم، والوجه الثاني أن يكون قوله: {لشيء} تنبيهًا لنا على الأمثلة التي تنظر فيها، أي إن كل ما تأخذونه من الأشياء الموجودة فإنما سبيله أن يكون مرادًا وقيل له {كن} فكان، ويكون ذلك الشيء المأخوذ من الموجودات مثالًا لما يتأخر من الأمور وما تقدم وفني، فبهذا يتخلص من تسمية المعدوم شيئًا، وقوله: {أردناه} منزل منزلة مراد، ولكنه أتى بهذه الألفاظ المستأنفة بحسب أن الموجودات تجيء وتظهر شيئًا بعد شيء، فكأنه قال إذا ظهر للمراد منه، وعلى هذا الوجه يخرج قوله تعالى: {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105]، وقوله تعالى: {وليعلم اللهُ الذين آمنوا} [آل عمران: 140]، ونحو هذا مما معناه، ويقع منكم ما رآه الله تعالى في الأزل وعلمه، وقوله: {أن نقول} منزل منزلة المصدر، كأنه قال قولنا، ولكن {أن} مع الفعل تعطي استئنافًا ليس في المصدر في أغلب أمرها، وقد تجيء في مواضع لا يلحظ فيها الزمن كهذه الآية، وكقوله تعالى: {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25]، وغير ذلك، وذهب أكثر الناس إلى أن الشيء هو الذي يقال له، كالمخاطب، وكأن الله تعالى قال في الأزل لجميع ما خلق: {كن} بشرط الوقت والصفة، وقال الزجاج {له} بمعنى من أجله، وهذا يمكن أن يرد بالمعنى إلى الأول، وذهب قوم إلى أن قوله: {أن نقول} مجاز، كما تقول قال برأسه فرفعه وقال بيده فضرب فلانًا، ورد على هذا المنزع أبو منصور، وذهب إلى أن الأولى هو الأولى، وقرأ الجمهور: {فيكونُ} برفع النون، وقرأ ابن عامر والكسائي هنا وفي يس، {فيكونَ} بنصبها، وهي قراءة ابن محيصن.
قال القاضي أبو محمد: والأول أبعد من التعقيب الذي يصحب الفاء في أغلب حالها فتأمله، وفي هذه النبذة ما يطلع منه على عيون هذه المسألة، وشرط الإيجاز منع من بسط الاعتراضات والانفصالات، والمقصود بهذه الآية إعلام منكري البعث بهوان أمره على الله وقربه في قدرته لا رب غيره.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}.
لما ذكر الله تعالى كفار مكة الذين أقسموا أن الله لا يبعث من يموت، ورد على قولهم، ذكر مؤمني مكة المعاصرين لهم، وهم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة، هذا قول الجمهور، وهو الصحيح في سبب الآية، لأن هجرة المدينة لم تكن وقت نزول الآية، وقالت فرقة سبب الآية أبو جندل بن سهيل بن عمرو.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، لأن أمر أبي جندل كان والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقالت فرقة نزلت في عمار وصهيب وخباب وأصحابهم الذين أوذوا بمكة وخرجوا عنها.
قال القاضي أبو محمد: وعلى كل قول فالآية تتناول بالمعنى كل من هاجر أولًا وآخرًا، وقرأ الجمهور: {لنبوئنهم} وقرأ ابن مسعود ونعيم بن ميسرة والربيع بن خثيم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب: {لنثوينهم} وهاتان اللفظتان معناهما التقرير، فقالت فرقة: الحسنة عِدَةٌ ببقعة شريفة كشف الغيب أنها كانت المدينة، وإليها كانت الإشارة بقوله: {حسنة} وقالت فرقة: الحسنة لسان الصدق الباقي عليهم في غابر الدهر.
قال القاضي أبو محمد: وفي {لنبوئنهم} أو {لنثوينهم} على هذا التأويل في لسان الصدق تجوز كثير واستعارة بعيدة، وهذا على أن {حسنة} هي المباءة والمثوى، وأن الفعل الظاهر عامل فيها، وقال أبو الفتح: نصبها على معنى نحسن إليهم في ذلك إحسانًا، وجعلت {حسنة} موضع إحسانًا، وذهبت فرقة إلى أن الحسنة عامة في كل ما يستحسن أن يناله ابن آدم وتخف الاستعارة المذكورة على هذا التأويل، وفي هذا القول يدخل ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يعطي المال وقت القسمة للرجل من المهاجرين ويقول له: خذ ما وعدك الله في الدنيا، {ولأجر الآخرة أكبر}، ثم يتلو هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: ويدخل في هذا القول النصر على العدو وفتح البلاد، وكل أمل أبلغه المهاجرون، و{أجر الآخرة} هنا إشارة إلى الجنة، والضمير في {يعلمون} عائد إلى كفار قريش، وجواب {لو} مقدر محذوف، ومفعول {يعلمون} كذلك، وفي هذا نظر، وقوله: {الذين صبروا} من صفة المهاجرين الذين وعدهم الله، والصبر يجمع عن الشهوات وعلى المكاره في الله تعالى، والتوكل تتفاضل مراتبه، فمطيل فيه وذلك مباح حسن ما لم يغل حتى يسبب الهلاك، ومتوسط يسعى جميلًا، وهذا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «قيدها وتوكل»، ومقصر لا نفع في تقصيره وإنما له ما قدر له. اهـ.